مصاحبة الأبرار ومجانبة الأشرار[١]

قَبَساتٌ من فوائد عالم مكة وشيخها
السيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩١هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله على أَفضاله والشكر له على جزيل عطائه والصلاة والسلام على سيد أنبيائه محمد وعلى ءاله وأصحابه أجمعين وأما بعد فمن سعادة الإنسان أن يختار مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار.

أخرج الترمذِىُّ وحسَّنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحاملِ المسكِ ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسكِ إما أنْ يحذيَكَ أي يعطيَكَ وأما أن تبتاع منه وإما أن تجد من ريحًا طيبة ونافخُ الكيرِ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثةً). وأخرجه أبو داود بلفظ (مثلُ الجليس الصالح كمثلِ صاحب المسك إن لم يصبك منه شىء أصابك من ريحه ومَثَلُ الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه).  وفي صحيح ابن حبان عن النبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تصحبْ إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقِىٌّ).

أيها المؤمنون هذه الأحاديثُ النبويةُ ترشدنا إلى وجوبِ مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار وقديمًا قيل من جالس جانَسَ والطبع سراق اهـ

وقد قيل

عن المرء لا تسألْ وَسَلْ عن قرينِهِ        فكلُّ قرينٍ بالُمقارِنِ يَقتدِى

فينبغِى أن تكون فيمن تُؤْثِرُ صحبتَهُ خمسُ خصال أن يكون عاقلًا حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا حرصًا يؤدي به إلى الشح والبخل. أما العقل فهو الأصل ولا خير فِى مصاحبة الأحمق. عدوٌّ عاقلٌ خيرٌ من صديق جاهل.  وقد قال بعض السلف صحبة الأحمق عاقبتها الوحشة والقطيعة اهـ

وأما حسن الخلق فلا بد منه لأن سيئ الخلق مغلوب بشهوته مغلوبٌ بغضبِهِ عاجز عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه فيخالف ما هو المعلوم عنده من واجبات الصحبة فلا خير في صحبته.

وأما الفاسق فإنه لا يخاف الله تعالى ومن لا يخاف ربه لا تؤمَنُ غائلتُهُ ولا يوثق بصحبته مع ما في تكرار مشاهدة الفسق من تهوين أمر المعصية على القلب وإبطال نفرته عنها لأن كثرة الإلماس تسقط الإحساس. وقد قال تعالى (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).

وأما المبتدع ففي صحبته خطر أىُّ خطر تؤثر بدعته بالشر والخيبة وتعدِى شؤمها عليه. والمبتدع مستحق للهجر والقطيعة تقبيحًا لبدعته فِى أعين الناس ليرتدعوا ويعلموا شؤم عمله وتنفيرًا لهم عن اتباعه كِىٍ لا تؤثر عليهم صحبته وأما الحريصُ على الدنيا فصحبته سمٌّ قاتل لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء سيما في حب الدنيا بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يَدْرِى صاحبه فَصُحْبَتُهُ تُوَلّدُ فِى القلب حبَّ الدنيا الذِى هو رأس كل خطيئة وقد قال تعالى (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت.

هذا ومن تأمل أسبابَ فسادِ كثيرٍ من الشباب يجد أن أسباب ذلك اتصال الشباب الصالح بصاحبٍ خبيثٍ يدله على الشر والمعاصِى ويحول بينه وبين الطاعات حتى يوقعه في الفتن والبلايا ويتسلطَ على ماله ويهدم شرف عرضه حتى إذا أبعده من الخير وزجَّ به في مهاوِى الرَّدَى والعصيان والمصائب تبرأ منه فَمَثَلُهُ (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فكان عاقبتهما جميعًا خسرانَ مستقبلهما وفسادَ حالتهما وسوءَ مصيرهما قال الشاعر

من عاشر الأشراف عاش مشرفًا       ومُعاشِرُ الأَنذال غيرُ مشرَّفِ

أوما ترى الجِلْدَ الحقيرَ مبَجَّلًا        باللَّثْمِ لَمَّا صار جلدَ المصحف

كم من طالب علم مجتهد حسن الأخلاق عالِى الهمة اتصل به طالب كسول ذو دناءة وفتنةٍ فأضلَّهُ عن الهُدَى وضيَّع عليه أوقاته وهدم له بناء مجده وقضَى على أمله ومستقبله وندم فِى النهاية حين لات مندم وكم من طالب كسول قيض الله له طالبًا مجدًا يشحذ عزيمته ويُلْهِبُ حَمِيَّتَهُ يرفعه إلى مستوى الفخار والخلود فيكون ناجحًا فائزًا بالشهادة من رجال العمل وأَبطال المستقبل فنصيحتِى للشباب وهديتِى للأبناء وتوجيهِى للإخوان هو المحافظة على الأخلاق والأدب ومجانبة الأشرار أصحاب السوء والفتنة قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءآَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وفِى الحكم والمواعظ لا تصحب إلا من يرشدك حاله ويدلك على الحق مقاله اهـ

اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابه.


[١]المرجع كتاب نفحات الإسلام من محاضرات البلد الحرام للسيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ رحمه الله تعالى.