سيدنا إبراهيم ويقينه بربّه جل جلاله[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ محمد هشام المجذوب
الرفاعِى الحسنِى المتوفى سنة ١٤٣٧ هـ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فاعلم يا أخِى وفقنا الله تعالى جميعًا أنه إذا ذكر مقدمةٌ وعنوان فيه مدح لإنسان وذكرت بعده قصة فالواجب أن تكون هذه القصة تأييدًا لهذا العنوان. على هذه القاعدة تفسر قصة سيدنا سيدنا إبراهيم عليه السلام وغيره من الرسل.

قال الله عز وجل {وكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} هذا عنوان ومقدمة تُعلمنا أن سَيدنا إبراهيم من الموقنين فالقصة بعد هذا العنوان يجب أن تكون تأكيداً ليقينه ولا يجوز أن تكون مخالفة ليقينه { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفلِينَ} {جَنَّ} أى ستره بظلامه {أَفَلَ} أي غاب وقوله {هَذَا رَبِّى} أى هذا ربى فى زعمكم ودعواكم والآن أُبَيّن لكم أنّه ليس ربّاً أو أهذا ربى ؟! فيكون قبله همزة الاستفهام الإنكارى أىْ ليس ربّى فلما غاب الكوكب قال لا أحبّ الآفلين لأن الإله لا يتغير { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي[٢] رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} وهذا تعريض بقومه أنهم ضّالون { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّى هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّى بَرىءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} ولمَّا أقام الدليل والحجة على بطلان آلهتهم أعلن حجته ويقينه فقال {إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِى لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

وأكد الله تعالى المقدمة السابقة بقوله {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} أى أن قوله {هَذَا رَبِّى} هو حجةٌ من الله تعالى علمها لسيدنا إبراهيم فلا يجوز أن نفسر {هَذَا رَبِّى} من غير النظر إلى المقدمة والخاتمة {مِنَ الْمُوقِنِينَ} {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} مع العلم أن الله تعالى يقول {وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} فالأنبياء ينشؤن على الرشد من بدء حياتهم والرشد هو صلاح الدين والدنيا. قال الله تعالى حكاية عن قوم شعيب {إِنَّك لَأَنْتَ الْحَلِيم الرَّشِيد} وقال حكاية عن قوم صالح {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا} وقال سبحانه {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.

 


[١] المرجع كتاب القول الفصل لحسم مسائل الخلاف للشيخ محمد هاشم المجذوب رحمه الله تعالى.

[٢] أى لئن لم يدم علِىّ الهداية.