حكم الزكاة فى العملة الورقية وبيان الخلاف فيه بين العلماء[١]

قبسات من فوائد خادم علم الحديث
الشيخ عبد الله بن محمد الهررِى
المتوفى سنة ١٤٢٩ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله ربِّ العالمين وصلَى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعدُ فاعلم أنَّه تجب الزكاة فِى النقد أى الذهب والفضة المضروب من ذلك وغيره. وأما غير الذهب والفضة من الأثمان فلا زكاة فيه عند الإِمامِ الشافعِىّ ومالك وأحمد رضِى الله عنهم، وتجب عند الإِمام أبِى حنيفة رضِى الله عنه، فهذه العملة المستعملة فِى هذا العصر لا تجب فيها الزكاة عند الشافعِىِّ ومالك وأحمد وتجب عند أبِى حنيفة لأنها تروج رواج الذهب والفضة.فمَن أخذ بمذاهب الأئمة الثلاثة فلم يُزَّكِ هذه العملة التِى لا يستعملها فِى التجارة فلا يُعترض عليه، ومَن أَخَذَ بمذهب أبِى حنيفة فزكّاها أَخَذَ بالاحتياط.

فإنِ اعترضَ معترضٌ على الأئمة المذكورين قيل له ليس لك أن تنكر فإن مذاهبهم تلحظ أن الله تبارك وتعالى ما ذكر فِى سورة براءة وعيدًا إلا فيمن منع زكاة الذهب والفضة قال الله تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) والله كان عالمًا في الأزل بأنه تكون أثمان من الذهب والفضة وغيرهما.

فكيف يُعْتَرَضُ على الأئمة المذكورين ومَأْخَذُهُمْ هذا النصُّ، فليس للحنفِىِّ أن يعترض على مذهب الأئمة المذكورين، ولا للشافعِىّ والمالكِىّ والحنبلِىّ أن ينكروا على الحنفِىّ.

أما مَن قلَّب هذه العملة الورقية فِى البيع والشراء لغرض الربح فهذا تجارة فيقوّم ما عنده ءاخر الحول فإن بلغ قيمته بأحد النقدين نصابًا أخرج زكاة التجارة. ومذهب الحنفية أن الفلوس إن كانت أثمانًا رائجة أو سلعًا للتجارة ففيها الزكاة كذا في الشُّرُنبُلاَلِيّةِ. وفِى الفتاوَى الهندية وَأما الفلوس فلا زكاة فيها إذا لم تكن للتجارة، وإن كانت للتجارة فإن بلغت مائتين وجبت الزكاة، كذا فِى المحيط اهـ

أما غير الحنفية فقد قال المالكية كما فِى الشرح الكبير على مختصر خليل ما نصّه وأشعر اقتصاره على الوَرِقِ أى الفضة والذهب أنه لا زكاة فِى الفلوس النحاس وهو المذهب اهـ وفِى المدونة الكبرى للإمام مالك ما نصه قلتُ أرأيتَ لو كانت عند رجل فلوس فِى قيمتها مِائَتَا درهمٍ فحال عليها الحول ما قول مالك فى ذلك قال لا زكاة عليه فيها وهذا مما لا اختلاف فيه إلا أن يكون ممن يدير فيحمل محمل العروض اهـ
وفِى كتاب فتح العلِىّ المالك على مذهب الإِمام مالك ما نصه ما قولكم فِى الكاغَد الذِى فيه خَتم السلطان ويتعامل به كالدراهم والدنانير هل يزكَّى زكاة العين أو العَرَض أو لا زكاة فيها فأجبتُ بما نَصُّهُ الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد رسول الله، لا زكاة فيه لانحصارها فِى النَّعم وأصنافٍ مخصوصةٍ من الحبوب والثمار والذهب والفضة، ومنها قيمةُ عَرْض المُدِيرِ وثمنُ عَرْضِ المحتكِرِ، والمذكورُ ليس داخلاً فِى شىء منها، ويقرّبُ لك ذلك أن الفلوس النحاس المختومة بختم السلطان والمُتَعَامَلَ بها لا زكاة فِى عينها لخروجها عن ذلك قال فِى المدونَة ومَنْ حال الحول على فلوس عنده قيمتها مِائَتَا درهم فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مديرًا فيقوّمها كالعروض. انتهى.

وفي الطراز بعد أن ذكر عن أبِى حنيفة والشافعِىّ وجوب الزكاة فِى عينها واتفاقهما على تعلقها بقيمتها وعن الشافعِىّ قولين فِى إخراج عينها قالوا المذهب أنها لا تجب فى عينها إذ لا خلاف أنه لا يعتبر وزنها ولا عددها وإنَّما المعتبر قيمتها فلو وجبت فى عينها لاعْتُبِرَ النصاب من عينها ومبلغها لا من قيمتها كما فِى عين الوَرِق والذهب والحبوب والثمار، فلما انقطع تعلّقها بعينها جرت على حكم جنسها من النحاس والحديد وشبهه، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وءاله وسلم انتهت عبارة فتح العلِىّ المالك.

ومذهبُ الحنابلة كذلك ففِى شرح المنتهَى الفلوس ولو رائجةً عُروضٌ والعُروض تجب الزكاة فِى قيمتها إذا بلغت نصابًا إذا مُلِكَتْ بنيّة التجارة مع الاستصحاب إلى تمام الحول، أما لو ملكها لا بنيّة التجارة ثم نواها فلا تصير لها اهـ ومذهب الشافعية كمذهب الحنابلة والمالكية أنَّه لا تجب الزكاة فى عين العملة الورقية نصَّ على ذلك الشيخ محمدٌ الأنبابِىُّ الذِى كان يُسَمَّى الشافعِىَّ الصغيرَ وغيرُهُ نقل ذلك عنه صاحبُ كتاب موهبة ذِى الفضل. والأنبابِىُّ من علماء القرن الثالث عشر الهجرِى تولَى مشيخة الأزهر مرتين.

والله تعالى أعلم.


[١]المرجع كتاب صريح البيان فى الردّ على من خالف القرءان للشيخ عبد الله بن محمد الهررِىّ رحمه الله تعالى.