إسقاط الجنين[١]

قبساتٌ من فوائد الفقيه شمس الدين الرملِىّ الشافعِى
المتوفى سنة ١٠٠٤هـ رحمه الله تعالى

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ وصلى اللهُ على النبِىّ الأُمِىّ وءَالِهِ وصَحبِهِ وَسَلم.  قالَ شمسُ الدينِ مُحمدُ بنُ أحمدَ الرَملِىّ قالَ المُحِبُّ الطَّبَرِىُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى النُّطْفَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ قِيلَ لَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ السِّقْطِ وَالْوَأْدِ وَقِيلَ لَهَا حُرْمَةٌ وَلَا يُبَاحُ إفْسَادُهَا وَلَا التَّسَبُّبُ فِى إخْرَاجِهَا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِى الرَّحِمِ بِخِلَافِ الْعَزْلِ فَإِنَّهُ قَبْلَ حُصُولِهَا فِيهِ.

قالَ الزَّرْكَشِىُّ وَفِى تَعَالِيقِ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْكَرَابِيسِىُّ سَأَلَتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِى سَعِيدٍ الْفُرَاتِىّ عَنْ رَجُلٍ سَقَى جَارِيَتَهُ شَرَابًا لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا فَقَالَ مَا دَامَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً فَوَاسِعٌ لَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ وَقَدْ أَشَارَ الْغَزَالِىُّ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فى الإِحيَاءِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْعَزْلَ خِلَافُ الْأَوْلَى مَا حَاصِلُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَالِاسْتِجْهَاضِ وَالْوَأْدِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى مَوْجُودٍ حَاصِلٍ فَأَوَّلُ مَرَاتِبِ الْوُجُودِ وَقْعُ النُّطْفَةِ فِى الرَّحِمِ فَيَخْتَلِطُ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ فَإِفْسَادُهَا جِنَايَةٌ، فَإِنْ صَارَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً فَالْجِنَايَةُ أَفْحَشُ، فَإِنْ نُفِخَتْ الرُّوحُ وَاسْتَقَرَّتْ الْخِلْقَةُ زَادَتْ الْجِنَايَةُ تَفَاحُشًا، ثُمَّ قَالَ وَيَبْعُدُ الْحُكْمُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِهِ اهـ  وَقَدْ يُقَالُ أَمَّا حَالَةُ نَفْخِ الرُّوحِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى الْوَضْعِ فَلَا شَكَّ فِى التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ مُحْتَمِلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ، ثُمَّ إنْ تَشَكَّلَ فِي صُورَةِ ءادَمِى وَأَدْرَكَتْهُ الْقَوَابِلُ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ. فَلَوْ تُرِكَتْ حَتَّى نُفِخَ فِيهَا فَلَا شَكَّ فِى التَّحْرِيمِ، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ زِنًا وَالْمَوْطُوءَةُ حَرْبِيَّةً فَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ.  وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ اللَّبَّانِ عَنْ مُسْلِمٍ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ مَا حُكْمُ الْوَلَدِ فِى الْإِسْلَامِ. فَلَمْ يُجِبْ فِيهِ بِشَىءٍ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ إنَّ ابْنَ حَزْمٍ ذَكَرَ فِى كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّ الْوَلَدَ مُسْلِمٌ اعْتِبَارًا بِالدَّارِ وَعِنْدَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِى احْتِرَامِهِ لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَ بِالْوَطْءِ قَهْرَهَا فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِى الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ اهـ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِىُّ.

وَقَالَ الدَّمِيرِىّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِحَمْلِ زِنًا وَغَيْرِهِ، ثُمَّ هِى إمَّا أَمَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا الْوَاطِئِ لَهَا وَهِى مَسْأَلَةُ الْفُرَاتِىّ أَوْ بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْوَاطِئُ. وَهِى صُورَةٌ لَا تَخْفَى، وَالنَّقْلُ فِيهَا عَزِيزٌ، وَفِى مَذْهَبِ أَبِى حَنِيفَةَ شَهِيرٌ. فَفِى فَتَاوَى قَاضِى خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْغَزَالِىُّ عَلَيْهَا فِى الْإِحْيَاءِ بِكَلَامٍ مَتِينٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحْرِيمِ اهـ

وَالرَّاجِحُ تَحْرِيمُهُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مُطْلَقًا وَجَوَازُهُ قَبْلَهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ حَزْمٍ فَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهَا بِأَنَّ الْوَلَدَ كَافِرٌ، وَبَيَّنَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ مَرْدُودٌ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِىُّ هَذَا كُلُّهُ فِى اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ بَعْدَ الْإِنْزَالِ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ أَمَّا اسْتِعْمَالُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ دَوَاءً لِمَنْعِ الْحَبَلِ فَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ أَفْتَى الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ فَسُئِلَ عَمَّا إذَا تَرَاضَى الزَّوْجَانِ الْحُرَّانِ عَلَى تَرْكِ الْحَبَلِ هَلْ يَجُوزُ التَّدَاوِى لِمَنْعِهِ بَعْدَ طُهْرِ الْحَيْضِ أَجَابَ لَا يَجُوزُ اهـ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَزْلِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى سَدُّ بَابِ النَّسْلِ ظَنًّا وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فَلَوْ فُرِّقَ بَيْنَ مَا يَمْنَعُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَمْنَعُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَيَكُونُ كَالْعَزْلِ لَكَانَ مُتَّجِهًا. وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلْبَالِسِىِّ نَحْوُ هَذَا اهـ كَلَامُ الزَّرْكَشِىّ.

قَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ أُهْبَةَ النِّكَاحِ يَكْسِرُهَا بِالصَّوْمِ وَلَا يَكْسِرُهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوِهِ وَعَبَّرَ الْبَغَوِىّ بِقَوْلِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْتَالَ فى قَطْعِ شَهْوَتِهِ اهـ وَفَهِمَ جَمْعٌ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِىّ وَالمُصَنّفِ تَحْرِيمَ الْكَافُورِ وَنَحْوِهِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ. وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْجَوَازِ عَلَى مَا يُفَتّرُ الشَّهْوَةَ فَقَطْ وَلَا يَقْطَعُهَا، وَلَوْ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِاسْتِعْمَالِ ضِدّ تِلْكَ الْأَدْوِيَةِ لَأَمْكَنَهُ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.

وَالْعَزْلُ حَذَرًا مِنْ الْوَلَدِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ أَذِنَتْ فِيهِ الْمَعْزُولُ عَنْهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَطْعِ النَّسْلِ.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب نهاية المحتاج فى شرح المنهاج فى شرح المنهاج للشمس الرملِىّ رحمه الله تعالى.