الدجال وعيسى عليه السلام ويأجوج ومأجوج [١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد بن يوسف الكافى المغربِىّ

 

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وءاله وصحبه وسلم وبعد فأقول وبالله تعالى أستعين إنّ شخصًا حز فى موضوع يأجوج ومأجوج فى غير المحز وتَوَهَّمَ فى نفسه الرجولية قبل أن يناهز ويُقال فى حقه ما قد قيل

أوردها سعد وسعد مشتمل     ما هكذا يا سعد تورد الإبل

وحقُّ العاقل أن لا يدخل مدخلًا إلا إذا علم من نفسه علم اليقين أنه يخرج منه غانمًا وعلى الأقل أن يخرج منه على سلامة.

ولنقدم لك أيها الناظر قبل البحث معه ما تعتمد عليه فى حق الدجال وعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ويأجوج ومأجوج من الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم التى لا يطرق ساحتها تشكيك مشكك ولا ذبذبة مذبذب ولا سفسطة فاسق أو زنديق وبعد ذلك يمكنك أن تضرب بكلام هذا الشخص ونظرائه فى شأن الدجال وعيسى بن مريم عليه السلام ويأجوج ومأجوج عرض الحائط.

أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والبيهقى فى البعث عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه فى ناحية النخل فقال غيرُ الدجال خوفِى عليكم فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه واللهُ خليفتِى على كل مسلم إنه شاب جعد قطط عينه طافية وإنه تخرج خيلُهُ بين الشام والعراق فعاث يمينًا وشمالًا يا عباد الله اثبتوا قلنا يا رسول الله ما لبثه فى الأرض قال أربعون يومًا يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر الأيام كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذى هو كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة قال اقدروا له قَدْرَهُ قلنا يا رسول الله ما إسراعه فى الأرض قال كالغيث يشتد به الريح فيمر بالحَىِّ فيدعوهم فيستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت وتروح عليهم سارحتهم وهى أطول ما كان درًا وأمد خواصر وأشبعه ضروعًا ويمر بالحَىِّ فيدعوهم فيردون عليه قوله فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين[٢] ليس لهم من أموالهم شىء ويمر بالخربة فيقول لها أَخْرِجِى كنوزك فتتبعه كنوزُها كعياسيب النحل ويأمر الرجل فَيُقْتَل فيضربه ضربة بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل إليه فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقىَّ دمشق بين مَهْرُودتين[٣] واضعًا يده على أجنحة ملكين فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لُدّ الشرقىّ فبينما هم كذلك أوحَى الله إلى عيسى ابن مريم إنى قد أخرجت عبادًا من عبادِى لا يدان لك بقتالهم فحرِّز عبادى إلى الطور فيبعث الله يأجوج ومأجوج كما قال الله (وهم من كل حدب ينسلون) فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله تعالى فيرسل عليهم نغفًا فى رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة فيهبط عيسى وأصحابه إلى الأرض فيجدون نتن ريحهم فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله تعالى فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ويرسل الله مطرًا لا يَكُنُّ منه بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ أربعين يومًا فتغسل الأرض حتى تتركها زلفة ويقال للأرض انْبِتِى ثمرتك فيومئذ يأكل النفرُ مِنَ الرُّمانة ويستظلون بقحفتها ويبارك فى الرّسْل[٤] حتى إن اللقحة من الإبل لتكفى الفئام من الناس واللقحة من البقر تكفى الفخذ[٥] والشاة من الغنم تكفى البيت فبيناهم على ذلك فيبعث الله ريحًا طيبة تحت ءاباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة اهـ

وأخرج أحمد والترمذى وحسنة وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقىّ فى الشعب عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كلَّ يوم حتى إذا كادوا يَرَوْنَ شعاع الشمس قال الذى عليهم ارجعوا فستفتحونه غدًا ولا يَستثنِى فإذا أصبحوا وجدوه قد رجع كما كان فإذا أراد الله بخروجهم على الناس قال الذى عليهم ارجعوا فستفتحونه إن شاء الله ويَستثنِى فيعودون إليه وهو على هيئته حيث تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويتحص الناس منهم فى حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون قهرنا من فى الأرض وعلونا من فِى السماء قسوًّا وعلو فيبعث الله عليهم نغفًا[٦] فى أعناقهم فَيَهْلِكُون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذى نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر[٧] شكرًا من لحومهم انتهى

وأحاديث الدجال وعيسى بن مريم عليه السلام ويأجوج ومأجوج متواترة عند المسلمين وهذا الشخص لا يؤمن بها.

بل قد زعم أن هناك سدين عثروا عليهما وجزم بأن أحدهما سدّ ذى القرنين جزمًا بلا مستند يدل على أن السد الذى عُثِرَ عليه هو سدّ ذى القرنين اهـ

يقال له سلمنا لك أن هناك سدًا محكمًا عثر عليه لكن من يعلمنا أن هذا هو السد الذى بناه ذو القرنين والذى يدل على أنه ليس هو وجود سدين والسدود المحكمة فى الدنيا كثيرة تعمل لجلب الماء كسد الروحية عندنا بالمغرب أو لدفع صولته كالسد الموجود بين منى ومكة لدفع صولته على الحرام وقد طغا فى المدة القريبة حتى صار بعض الناس يطوف بالبيت سباحة. وكسَدِّ أهل سبإٍ وغيرهما.

وقول الله حق وصدق ولكن مكان وجود يأجوج ومأجوج لا نعلمه وإنما يعلمه الله تعالى وليسوا شعبًا من الشعوب المعروفة عند الناس اليوم وليسوا التتار والمغول الذين قادهم جنكيزخان كما زعم هذا المتهوّر.

أخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الآيات الدجال ونزول عيسى ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا وتبيت معهم إذا باتوا والدخان والدابة ويأجوج ومأجوج قال حذيفة قلت يا رسول الله ما يأجوج ومأجوج قال يأجوج ومأجوج أمم كل أمة أربعمائة ألف أمة لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه وهم ولد ءادم فيسيرون إلى خراب الدنيا ويكون مقدمتهم بالشام وساقتهم بالعراق ويمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحيرة طبيرة ويأتون بيت المقدس فيقولون قد قتلنا أهل الدنيا فقاتلوا من فى السماء فيرمون بالنشاب إلى السماء فترجع نشابتهم مخضبة بالدم فيقولون قد قتلنا من فى السماء وعيسى والمرسلون يجبل طور سنين فيوحى الله إلى عيسى أن أحرز عبادى بالطور وما يلى أيلة ثم إن عيسى يرفع يديه إلى المساء ويؤمن المسلمون فيبعث الله عليهم دابة يقال لها النغف تدخل فى مناخرهم فيصبحون موتى من حاف الشام إلى حاف المشرق حتى تنتن الأرض من جيفتهم ويأمر الله السماء فتمطر كأفواء القرب فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها اهـ

فجنكيزخان وجنوده ليسوا هم بيأجوج ومأجوج المذكورين فى لسان الشرع وإن ملكوا من الأرض شرقًا وغربًا وأفسدوا غاية الفساد وفما أجهلك بيأجوج ومأجوج.

 

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب المسائل الكافية فى بيان وجوب صدق خبر رب البرية للشيخ محمد بن يوسف الكافىّ.

[٢] قوله (ممحلين) قال فى مختار الصحاح (الْمَحْلُ) الْجَدْبُ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ وَيُبْسُ الْأَرْضِ مِنَ الْكَلَأِ اهـ المنتصر بالله.

[٣] قوله (مهرودتين) قال النووى فى شرح مسلم رُوِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةُ أَكْثَرُ وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النُّسَخِ بِالْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَابِسَ مَهْرُوذَتَيْنِ أَيْ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ وَقِيلَ هُمَا شَقَّتَانِ وَالشَّقَّةُ نِصْفُ الْمُلَاءَةِ اهـ المنتصر بالله.

[٤] القطيع من الإبل.

[٥] القبيلة.

[٦] دودًا.

[٧] تسمن.