مخالفة الشيخ يوسف القرضاوِىّ للعقيدة الإسلامية (٤)[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ الحنفِىّ
حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فإن الشيخ يوسف القرضاوِىّ نال شهرة واسعة بسبب القنوات التلفزيونية الفضائية وإرادة بعض الجهات أن يشتهر اسمه ويشيع ذكره ولكنه فى خلال ما نشر من كتب وذكر من مقالات حصل منه مخالفات كثيرة للشرع فى أصول العقائد فأردتُ أن أبيّن بعض هذه المخالفات قيامًا بالنصيحة وتحذيرًا للغافل.

المقالة الثالثة عشرة "الدكتور" يوسف القرضاوِىّ لا يرى كبيرَ أهميةٍ للخلاف فِى العقيدة بين أهل السنة من جهة والمعتزلة والخوارج وأمثالهم من جهة أخرى كما بيناه فِى الرد على مقالته الخامسة وفوق هذا فإنه وصل إلى حَدِّ أنه لا يرى الكفر الصريح مخرجًا من الإسلام سواء كان هذا الكفر اعتقادًا أو فعلًا أو قولًا فعلى زعمه مَنْ نطق بالكفر أو فَعَلَهُ أو اعْتَقَدَهُ لا يكفر بذلك ما لم ينشرحْ صدره له ويعلمْ أنه كَفَرَ وينوِى به ويصمم على الخروج من الإسلام إلى الكفر وهو يعيد هذا المعنى ويكرره بألفاظٍ مختلفةٍ فى رسالة التقريب بين المذاهب وفى كتابه المُسَمَّى ظاهرةَ الغلو فى التكفير فيقول مثلًا فى الصحيفة الخامسة والتسعين من كتابه الثانِى (فلا بد من شرح الصدر بالكفر من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام ولا اعتبار بصدور فعلٍ كفرِى لم يُرِدْ به فاعلُهُ الخروج من الإسلام إلى ملة الكفر ولا اعتبار بلفظٍ يَلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه) اهـ نقله عن صديق حسن خان والقنوجِى وأقره.

قلتُ قارن أيها العاقل بين هذا الكلام وبين قول الله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا) ثم قُلْ لِى رحمك الله أىَّ الأمرين تختار اتباعَ كتاب الله أم تُرَّهَاتِ القرضاوِىِّ ومن جاراه؟!

واستمعْ إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الترمذِىُّ وحسنه إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يَهْوِى بها فى النار سبعين خريفًا أىْ إلى قعر جهنم حيث لا يعذب إلا كافر ثم قل لى كيف استجاز القرضاوِىُّ حكايةَ ما حَكَى.

ألم يَعْلَمْ هداه اللهُ وَوَقَى الأمةَ فتنته أنَّ النصارى يظنون أنفسهم محقين واليهود كذلك والصابئة كذلك والمجوس كذلك وسائر ملل الكفار على هذا أفيعذرهم كلهم بكفرهم لأنهم لا يعلمون أنه كفر على مقتضى قاعدته؟!

ألم يعلم أن الأمة أجمعت على تكفير جهم بن صفوان لاعتقاده فناء الجنة والنار مع كونه مدعيًا للإسلام ناطقًا بلسانه بالشهادتين جاهلًا أن ما قاله كفر؟!

أليس قرأ فى كتب التاريخ وكتب الأصول أن الأمة أجمعت على تكفير الفلاسفة الذين اعتقدوا أن نوع العالم أزلِىّ لم يخلقه الله مع ادعائهم الإسلام والانتساب إليه!؟

ألم يسمع حديث رسول الله لَمَّا قال للصحابة عن قوم يظهرون بعد موته يجد الصحابِىُّ أن صلاته قليلة بالنسبة لصلاتهم وقراءته للقرءان قليلة بالنسبة لقراءتهم ومع ذلك وصفهم رسول الله بالخروج من الإسلام فقال يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة!؟

بلى سمع القرضاوِىُّ وقرأ ذلك كله ولكنه جعل هواه إمامًا ووسوسات شيطانه قائدًا يتبع ذلك من غير أن يعرضه على الكتاب والسنة وأقوال الأئمة فضلَّ وأضلَّ فهو يُكَفِّرُ من يفعل الحلال الجائز بالإجماع ويعذر من يقع فى الكفر البواح فلا يكفره أعنى أنه يكفّر من يزور قبر صالح أو ولِىّ بنية التبرك وهو جائز بالإجماع.  وأما من سب الله والنبِىّ أو سجد للصنم أو أنكر البعث والقيامة أو أنكر قدرة الله على كل شىء أو علمه بكل شىء فإنه لا يكفّره إن لم ينشرح صدره لهذا القول أو الفعل أو الاعتقاد أو لم يقصد به الخروج من الإسلام فجعل كلَّ الناس مثلَ المُكْرَهِ مع أن الله تعالى جعل للمكره حكمًا خاصًا وبهذا فتح باب الكفر واسعًا فيأتِى الشخص بأى كفر شاء ثم يدافع عن نفسه فيقول أنا ما كنت فرحًا عند صدور الكفر منِى أو يقول لم أعلم أن هذا كفرفَيُعْفَى على مقتضى كلام القرضاوِى من الحكم عليه بالردة عندئذ ومن ترتيب القتل على ذلك ينفذه به الحاكم!! بل  على رأىِ القرضاوىُّ ينهدم كلُّ ما صنفه فقهاء الإسلام وما رواه حفاظ الأحاديث فى أبواب الردة فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فليُقَلْ للدكتور أنت ألغيتَ ءايةَ الإكراه فإن ءاية الإكراه تحكم أن المكره إذا تغير حاله عند النطق بالكفر فنطق بكلمة الكفر شارحًا به صدره عندئذ يكون مستحقًا للعذاب وأما أنت فقد عمَّمت وجعلت جميع البشر فى حكم المكره فخالفت كتاب الله وفتحت للناس أبواب الكفر وكأنك تقول لهم بِمِلْءِ فمك قولوا ما شئتم سبوا الله وسبوا القرءان وسبوا النبىَّ ما عليكم حرج، وفِى هذا خرجت عن إجماع علماء الإسلام الذين وضعوا فى كتب الفقه كتاب المرتد كما وضعوا كتاب النكاح وكتاب الطلاق وكتاب البيع. وأنت أيها المتعالم جعلت للشخص المرتد حلالًا أن يتزوج المسلم ويرث المسلم وجعلت له حقًا فى أن يدخل المسجد ويصلِى ثم إن مات أن يدفن فى مقابر المسلمين  بينما علماء الإسلام قاطبة على خلاف هذا ولم يشرط أحد منهم لا من المتقدمين ولا من المتأخرين أن الرجل لا يكون مرتدًا محكومًا عليه بالكفر إلا أن يكون شارحًا صدره وناويًا الخروج من الإسلام إلى دين غيره.

والحكم الذى ذكرناه صرح به الحافظ الإمام المجتهد المطلق ابن جرير الطبرِىّ والحافظ أبو عوانة صاحب المستخرج على مسلم وغيرهما من متقدمين ومتأخرين فقالوا إن من يتلفظ بكلمات الكفر يحكم عليه بالكفر ولو كان قلبه منشرحًا بالإسلام وكتاب شرح الفقه الأكبر لملا علِى القارِى مثال واحد من هذه الكتب الكثيرة.

أما أنت وسيد سابق وصلاح الدين الإدلبِى فقد شذذتم عن علماء الإسلام وجرأتم الناس على الكفر. قل لى بربك هل تجد فى تاريخ السلف والخلف أن حاكمًا رُفِعَ إليه شخص تكلم بكفر فقال له هل كنت شارحًا صدرك حين تكلمت بكلمة الكفر؟ بل لا تجد ذلك ولن تجده.  هذا ابن هانِئ المغربِىّ لما استُدْعِىَ للمحاكمة أُجْرِىَ عليه حكمُ المرتد فقتل من غير أن يسأله الحاكم عن هذا الشرط المستحدث الذى اشترطته أنت ومن جاراك فِى تحريف دين الله وهكذا شأن كثير ممن ارتدوا وحوكموا ما كان أحد منهم يُسأل عن هذا الشرط الذى ابتدعتموه.  وحديث البخارِىّ فى المرتد الذِى كان ارتد إلى اليهودية بعد أن أسلم فأجرى عليه أبو موسى الأشعرِىُّ ومعاذ بن جبل حكم حكم الردة فَقُتِلَ يشهد أيضًا لِمَا قلناه إذ لم يُذكر هناك أنه سئل هل كانت شارحًا صدرك لما تحولت عن الإسلام أم لا بل كانوا يكتفون بمجرد اعتراف الشخص أو شهادة شاهدين عدلين بأنه قال كلمة كذا من الكفر فيعرضون عليه الإسلام فإن رجع وإلا أُجرِىَ عليه حكم الردة بالقتل.  هذا عمل حكام المسلمين وقضاتهم وعلمائهم قاطبة من أيام الصحابة إلى أيامنا ولسنا تاركين هذا الإجماعَ القولِىَّ والفعلِىَّ لقول القرضاوِىِّ ولا غيره.

يتبع فى المقالة التالية.



[١] المرجع كتاب تنبيه المسلمين من ضلالات يوسف القرضاوِىّ للشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ.