أقوال العلماء فى حقيقة الذكر الشرعِىّ[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ محمد أديب كلكل حفظه الله

         الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله صحبه وسلم وبعد فقد قال السيد عبد الوهاب الشعرانِىُّ رحمه الله تعالى فِى كتابه لطائف المنن فى الجزء الثانى نقلًا عن الشيخ محيى الدين بن العربىّ رحمه الله فى كتابه نتائج الأفكار

وينبغِى لمن يذكر الله تعالى بالجلالة أن يحقِّقَ الهمزةَ ويُسكِّنَ الهاء أى يظهر الهمزة التى فِى أول لفظ الجلالة الله فإنْ فتح الذاكرُ الهاءَ وأسقَطَ الهمزة ووصل الهاء باللام المدغمة كأن كان تلفظُهُ بها كتلفظِهِ بكلمة هلّا فلا تنتج له شيئًا من الخصائص لأنّه تعالى ما هو مُسمًى بذلك الاسم إذ هو كلمة تحضيضٍ كلوما ولولا.

ثم قال رحمه الله وصورة الذكر بالجلالة أن يقول الله الله الله حتى ينقطع نفسه بتحقيق الهمزة فى أوله وسكون الهاء فى ءاخره وهكذا كل ذكر يذكر العبد ربّه عز وجل أن لا يحرك ءاخره بل يسكنه ويحقق أوله. ومن لم يذكر كذلك لا يجد لذكره نتيجة لأنه سبحانه وتعالى ما هو مسمى ذلك الاسم المصحّف والمقصود الذكر باللفظ الصحيح ولو أنه تصوره فى خياله على الصواب لا يفيد إذ اللفظ هو الدعاء والاجابة لا تكون إلا لمن ينادِى باسمه الصحيح وليس لله اسم هلاّ مثلًا إذا فتح الهاء ووصلها باللام المدغمة بل ذلك اسم كون من الأكوان حتى أن الذاكر لو بدّله فى لحن ءاخر وقصد به هذا المعنى الملفوظ به فى لسان العرب لا ينتج له شيئًا إذ الإنتاج إنما هو لهذا التركيب الخاص بالحروف. 

فعلى الذاكر أن يحرص على اللفظ الصحيح والنطق الصريح وليحذر من اللحن لأن لكل حرف من حروف الأذكار كما هى خاصيته ونوره.

قالوا إن صورة هذا الذكر إنما هو ذكر الخلوة وفى الجلوة على الذاكر أن يسرع فى ذكره لإنماء الحال فى نفسه.

قلت هذا حق فى نفسه من حيث المبدأ ولكن هل يعنى الإسراع أن نحرّف اللفظ الكريم وأن تصدر عنا تلك الأصوات المنكرة التى لا يستبين بها لفظ ولا يتميز بها حرف ولا يفقه لها معنى؟! هل يعنى الإسراع أن نتصور اللفظ الكريم فى أذهاننا صحيحًا ولو خرج من ألسنتنا مشوّهًا اللهم لا هذا ولا ذاك وما هو النطق الصحيح واللفظ الصريح.

قال ابن عطاء الله الاسكندرِىّ رحمه الله فى كتابه القصد المجرد لمعرفة الاسم المفرد (فإنّه لا يتم ذكره إلا بإظهار الهاء) أى إنه لا يتم الذكر الكامل بهذا الاسم  إلا بإظهار سائر حروفه ومنها الهاء فى ءاخره.

وقال الشيخ محمد المنير فى كتاب تحفة السالكين (وليحذر من اللحن فى (لا إله إلا الله) لأنها كلمة من القرءان قال الله تعالى ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءانَ تَرْتِيلًا﴾ وقال عليه الصلاة والسلام ربَّ قارىء للقرءان والقرءان يلعنه اهـ فهى كلمة من القرءان يجب تجويدها على تاليها ومعرفة مبانيها ومعانيها فيمد على اللام بقدر الحاجة ويحقق الهمزة المكسورة بعد (لا) ولا يمدّ عليها أصلًا ويفتح الهاء من (إله) فإنك إذا لم تحققها قلبت ياءً وكذا (إلا) وتسكين ءاخر لفظ الجلالة (الله). قال سيدى الشيخ يوسف العجمِىّ وما ذكره الأشياخ من هذه الآداب للذكر محلّه فى المريد الصاحِى المختار المكلَّف بالشرع أما مسلوب الاختيار فهو مع ما يردُ عليه من الأسرار والأذواق واللوامع والأنوار فقد يجرِى على لسانه الله الله أو هو هو أو لا لا أو آه آه أو صوت بغير حرفٍ  واختباط أو انصراف أو بكاء أو صراخ أو نحوه).

ومن ذلك تبين أن الذاكر الصاحى المختار عليه أن يتقيد باللفظ الصريح والنطق الصحيح ولا يجوز له تقليد من سلب اختياره وسيطر عليه الانفعال النفسِىّ فليس من له عذر كمن لا عذر له والرخص منوطة بأصحابها لا تتعداهم إلى غيرهم.  فليتنبه الذاكرون إلى هذا وليذكروا الله على علم وبصيرة وليحذروا التقليد الأعمى والتعصب المقيت لأقوال وأحوال بعض الشيوخ التى لا تستند إلى منطق سليم ولا تستمد حقائقها من كتاب أو سنة أو نقل صحيح ممن يعتد به.

وقال سيدى الشيخ محمد أبو الهدى الصيادى رحمه الله تعالى فى كتابه رياضة الأسماع فى أحكام الذكر والسماع (تنبيهاتٌ. ليَحذَر الذاكرُ بلا إله إلا الله مِن قَلْبِ الهمزةِ ياءً مِن (إله) فيقول لا إيلاها إلا الله ومِن إشباعِ فتحةِ الهاء مِن (إله) أيضًا حتى تصير ألِفًا فيقول لا إلها إلا الله ومِن إشباعِ ضمةِ الهاء مِن الاسمِ العظيم حتى تصيرَ واوًا فيقول لا إله إلا اللهو. قال سبحانه ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ وبهذا جاءت الأحاديثُ مِن غيرِ زيادةٍ ولا نقصٍ.  وليحذر أيضًا فى قوله محمد رسول الله مِن إشباعِ فتحة الحاءِ حتى تصيرَ ألِفًا فيقول محامَّد قال الله سبحانه ﴿محمد رسول الله﴾ ومِثلُ هذا ما يقعُ مِن كثيرٍ من المكبِّرين فى أيامِ العيدِ مِن قولِهم الله أكبار ولله الحامد وهذا يقعُ غالبًا مِن المؤذنين فليُفهم هذا وأمثالُه ويُترَك.  ومن كان إمامًا لجماعة يذكرون الله تعالى فحيث خرجوا عن الحد فعليه أن يسكت ليسكتوا فإن لم يسكتوا أسكتهم فإن من ءاداب الذكر أن يكون على أكمل الصفات متذللًا خاشعًا بسكينة ووقار مطرقًا رأسَهُ لا خبط ولا خلط. هذا أسلوب الذكر وعليه أهله نفعنا الله بهم). ثم ذكر أحكامًا كثيرة وبعض الفتاوى حول تحريف لا إله إلا الله فليراجعها من أحب الاطلاع عليها.

ثم قال (إن مجلس الذكر الذى اصطلح عليه عند السادة الرفاعية أهل الحجة المرضية وهو مجلس يكون بعد أداء الصلاة المفروضة وما يتبعها من السنن المعروفة يجتمع فيه الإخوان على صدق نية وإخلاص وسكينة وأدب وخشوع ويفتتح بتلاوة الفاتحة وكثير من الآيات والسور القرءانية والصلوات الطيبة على ساكن طيبة الزكية عليه وعلى ءاله وأصحابه وأتباعه ألف ألف صلاة وسلام وتحية ثم يبادر فيه جهرًا لتلاوة ذكر الله والقوم قاعدون بنص (لا إله إلا الله) ثم يقول أهل المجلس على هذا ثم تنتقل طبقة الذكر إلى قول (الله) بلفظ صريح ونطق صحيح).

قال الشيخ عبد الوهاب الشعرانى رحمه الله فى كتابه الأنوار القدسية (وليحذر الذاكر من اللحن فى ذكر (لا إله إلا الله) فإنها من القرءان فيمد على لام النفى بقدر الحاجة ويحقق الهمزة المكسورة بعد (لا) ولا يمد عليها أصلاً ويمد على اللام التى بعدها مدًا طبيعيًا وينطق بالهاء بعدها مفتوحة بغير مد بالكلية ثم ينطق بالهمزة من حرف الاستثناء مكسورة مخففة بغير مدَّ أيضًا ولا يمد على لام الألف بعدها مدًا ثم ينطق بالجلالة فيمد على اللام ويقف على حرف الهاء بالسكون أن وقف وكذلك ينبغى اجتناب المد على حرف الهاء من (إله) فيتولد منه ألف وذلك تحريف للقرءان وكذا النطق بالهاء من الجلالة ممدودة حتى ينشأ منها واو).

قال سيدى على بن ميمون بن عراق رضى الله عنه (وهذا اللحن كله قد أخذته فقراء العجم والروم. واتِّباع السنة المحمدية والسلف هو المطلوب).

وذكر الحافظ السيوطى رحمه الله فى كتابه الحاوى وفى المجلد الثانى منه فى الأجوبة على الأسئلة المائة قال (إن إحداث الألحان فى الذكر بدعة لم تكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علِىّ ولا فعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا السلف الصالحين فإن انضم إلى ذلك تمطيط الأحرف والاشباع فى غير موضعه والاختلاس فى غير موضعه والترقيص والتطريب وتعويج الحنك والرأس فهذا مُغَنٍّ لا ذاكر وأخشى عليه أن يجاب عليه من قبل الله باللعنة فإن سرَّ الذكر إحضار عظمة الله وهيبتِهِ فى القلب بخشوع وخضوع وإعراضٍ عما سواه والملحن فى شغل شاغل عن ذلك وليعرض الإنسان على نفسه أن لو وقف شخص تحت بيته ونادى آه يا سيدى فلان وكرر ذلك بهذا التلحين والترقيص أكان يرضيه ذلك أو يعده قليل الأدب. والتأدب مع الله أولى وأحق).

وفى كتاب قواعد التصوف لابن مرزوق (من ءاداب الذكر التزام أدب الذكر من كونه شرعيًا أو فى معناه بحيث يكون بما صح واتضح وذكره على وجه السكينة وإن مع قيام مرة وقعود أخرى لا مع رقص وصياح ونحوه فإنه من فعل المجانين كما أشار إليه الإمام مالك رحمه الله لما سئل عنهم أمجانين هم؟ وغاية كلامه الاستقباح بوجه المنع فيه أحرى فافهم).

وقال الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله تعالى فى كتابه فتاوى شرعية (مما يجب التنبه إليه أن كثيرًا من حلقات الأذكار الحالية يقترن بها بدع ومحرمات فمن تحريف فى أسماء الله تعالى إلى التزام هيئات بشعة وحركات مستهجنة إلى أعمال جاهلية وشعوذة شيطانية لا يقرها الشرع ولا يعرفها الدين الخالص).

وقال الشيخ عبد الله الهررى الحبشى فى كتابه صريح البيان  (ومنها أى من البدع العملية السيئة تحريف اسم الله كما يحصل من كثير من المنتسبين إلى الطرق فإن بعضهم يبدأون بـ(الله) ثم إما أن يحذفوا الألف التى بين اللام والهاء فينطقون بها بلا مد وإما أن يحذفوا الهاء نفسها فيقولون (اللا) ومنهم من يقول (ءاه) وهو لفظ موضوع للتوجع والشكاية بإجماع أهل اللغة قال الخليل بن أحمد لا يجوز حذف ألف المد من كلمة الله).

وقال الإمام المناوى فى كتابه فيض القدير (وحذف ألفه – أى لفظ الجلالة – لحن يبطل الصلاة لانتفاء المعنى بانتفاء بعض اللفظ الموضوع ولا ينعقد به اليمين لابتنائه على وجود الاسم ولم يوجد).

قلت إذا لم تصح الصلاة ولا ينعقد اليمين بهذا اللفظ المحرف فكيف يصح الذكر به؟!

ونشرت مجلة العشيرة المحمدية المسماة مجلة المسلم فتوى فى بيان الذكر الحلال والذكر الحرام للشيخ سليم البشرى رحمه الله وكان من أكابر علماء الأزهر فى عدد شعبان لسنة ١٣٧٤ هـ وهذا ملخص تلك الفتوى وجوابها

سئل رحمه الله عن حقيقة الذكر الشرعِىّ وما قوله فى ذكر غالب المتصوفة لهذا الزمان حيث افترقوا فرقًا فمنهم من يقول (لا إيلها إلا الله) بإشباع همزة (إله) فتولدت عنها ياء وإثبات ألفها مع شدة صوت غليظ. ومنهم من يقول (لا يلها إلا الله) بتفخيم أداة النفى مع إخراجها من أقصى الحلق والغلظ وإبدال همزة (إله) ياء وإشباع هائه فتولدت عنها ألف وقصر لفظ الجلالة جدًّا عن المد الطبيعى مع قوة صوت منكر وأنهم يزجرون أتباعهم إذا ذكروا بالاسم خالصًا كما جاء به القرءان ونطق به النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة المسلمين ويوبخونهم على ذلك ويقولون أخرجوه مثلنا لأجل أن تستنير قلوبكم وربما طردوا من لم يوافقهم. تارة يقولون (لوّ إلوّاها إلا الله) بتفخيم اللام وضمها مع الفظاظة الشديدة والإشباع فتولدت عنها واو وإبدال الألف واوًا مشددة وقصر لفظ الجلالة جدًّا عن المد الطبيعِى وربما أسرعوا فلا تسمع لهم إلا أصواتًا كأصوات النائحين على الجيفة إلى غير ذلك من الحالات التى شاعت مشاهدتها منهم فى غالب الجهات.

وتارة يذكرون بلفظ الجلالة وحده فمنهم من يقول (ءالله ءالله) بمد الهمزة مع التفخيم الغليظ كصوت من فى حلقه حجر وقصر لفظ الجلالة عن المد الطبيعِى. وتارة يقولون (ءالله) بالسكون مع القصر وقد يسرعون فيقولون (هلّهلّ) بهاء مضمومة ولام غليظة وتارة يقولون (ءاله ءاله) بهمزة ممدودة ولام قوية الغلظ وهاء ساكنة إلى غير ذلك من الأصوات الساذجة كما هو مشاهد منهم.

ومنهم من يقول (اح اح) بهمزة وحاء ساكنة ومنهم من يقول (الله حاى) بقصر الجلالة مع سكون الهاء ومد (حِى) نحو العشر حركات.

فكان الجواب ملخصًا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلاة وسلامًا على سيدنا رسول الله وبعد فإن ذكر الله تعالى الوارد فضله فى الكتاب والسنة المقدسة هو المتلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطرق المتواترة والأحاد الصحيحة ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب والعجم وأبلغهم وأصحابه الأخذون عنه هم من الفصاحة والبلاغة بالمكان الأعلى. والقرءان العزيز والسنة النبوية المطهرة إنما أخذا على الحال الواصل إلينا بطرق التواتر أو الآحاد الصحيحة من المد والقصر والتفخيم والترقيق والإدغام ونحو ذلك فالذكر إما من القرءان أو السنة وحالهما ماعلمت. وهذا ما تقتضيه اللغة العربية التى هو صلى الله عليه وسلم ناطق بأفصحها وكل ما خالف ذلك ما أنزل الله به من سلطان بل مما اخترعه الشيطان ولقنه أتباعه أهل الطغيان. وليس من الذكر فى شىء بل هو النكران والخسران وهو حرام قطعًا لما فيه من تحريف الأسماء واللعب بها وتسميته تعالى بما لم يرد فى كتاب ولا سنة ولا إجماع وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال «إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد» وكل تلك الألفاظ المحرفة مخالفة لما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال صاحب كتاب النصرة النبوية لأهل الطريقة الشاذلية المطبوع فى هامش شرح رائية الشريشِى «القصر فى اسم الجلالة (الله) بحذف الألف بين اللام والهاء فهذا سمع فى بعض لغات العرب ولا مانع من التكلم بأى لغة (لهجة) من لغاتهم بل قد جوز الفقهاء ذبيحة من سمّی بتلك اللغة وقالوا بانعقاد يمينه. قال ابن الشحنة فى شرح الوهبانية المراد بالألف بين الهاء واللام (أى المد الطبيعِى) إذا حذفها الحالف أو الذابح أو الداخل فى الصلاة قيل لا يضر لأنه سمع حذفها فى لغة العرب وقيل يضر قلت إن الخلاف القائم بين العلماء فيما تقدم منحصر فى جواز القصر عن المد الطبيعى وعدمه وبما أن المسألة محل للخلاف بين المحققين فترك القصر أولى خروجًا من الخلاف وهو أسلم وأقوم وأحوط لمن أشفق على دينه وعبادته والمعروف عن المتصوفة أنهم يأخذون بعزائم الأمور ليكونوا دائمًا على المنهج الحق. أما تشويه الحروف وتبديلها والنطق بها نطقًا لا يستبين معه حرف على الوجه السليم وبأصوات منكرة فذلك مما لا خلاف فى عدم جوازه قطعًا وقولًا واحدًا وإلا فـ﴿ائتونى بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم ان کنتم صادقين﴾. وقد سألت فضيلة الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى عن حقيقة هذا الذكر المشوه والمحرف فأجاب «أما الزيادة والنقصان فى الاسم الكريم (الله) فلا يجوزان لأنه إخلال مستتبع اللوم والإثم ولقد استظهر على ذلك الإمام أحمد حين سئل عن الذكر المشوه فقال لمن اسمه (محمد) أيسرك أن يقال لك (یا موحامد).  وقال شيخ الإسلام العلامة ابن حجر العسقلانى رحمه الله فى كتابه فتح البارِى «إن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها".

وقال الشيخ على محفوظ فى كتابه الإبداع فى مضار الابتداع «ومن بدعهم المحرمة أنهم خرجوا عن الذكر الشرعِىّ إلى ذكر محرف يخالف الكتاب والسنة والإجماع على ما سيأتى بيانه ويقولون وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون بحضرة العلماء وهم ساكتون فإن الذكر الذى لا يوافق قوله تعالى ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾  وقوله تعالى ﴿الله لا إله إلا هو الحى القيوم﴾  ولا قوله صلى الله عليه وسلم «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلِى لا إله إلا الله وغير ذلك من الآيات والأحاديث الصحيحة حرام بإجماع الأمة ومردود على فاعله كيف لا!! وقد قال صلى الله عليه وسلم «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه وفى رواية لمسلم «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» وهؤلاء قد أحدثوا فى الدين ما ليس منه وتعبدوا بما لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن صالح المؤمنين ولا ريب أن تحريف أسماء الله تعالى من أقبح البدع المحرمة إذ فيه إخراجها عن حقيقتها الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من الإلحاد المحرم بالإجماع. ثم قال وأما قولهم وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون بحضرة العلماء فهو لا يصدر إلا من جاهل لجواز أن هؤلاء الأشياخ جاهلون بأمر دينهم أو أكابر استغرقوا فى حب خالقهم حتى خرجوا بذلك عن حد التكليف وعلى كلا الاحتمالين لا يصح الاقتداء بهم لأنهم حينئذ لا يصلحون للوراثة ولا يورث عن الأشياخ إلا ما يكون منهم حالة الصحو موافقًا للشريعة والعارفون منهم لا يخرجون فى أحوالهم عنها قيد شعرة ما داموا فى صحوهم وقد تبرؤوا ممن يخرج فى حركاته وسكناته عن الكتاب والسنة ثم قال فقول المحرفين للذكر هكذا وجدنا أشياخنا يذكرون لا يصح أن يكون دليلًا على الشريعة بل ينادى عليهم بالسفه وعدم الروية ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون﴾. وأما قولهم بحضرة العلماء وهم ساكتون فهو باطل أيضًا لجواز أن يكون سكوت العلماء عن هؤلاء الجهلة لظنهم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يفيد عندهم بل ذلك هو الظن فى هداة الأمة الذين هم ورثة الأنبياء ويجوز أن من حضرهم كان ممن تسموا باسم العلماء وليسوا منهم وجملة القول حجتهم داحضة. ثم قال نعم المأخوذ عن حسه الغائب عن نفسه كل ما جرى على لسانه لا لوم عليه فيه وإنما كلامنا فى هؤلاء الذين يتعمدون ذلك وهم لم يخرجوا عن حدِّ التكليف وتطرأ عليهم مواجيد نفسانية يتخيلونها واردات رحمانية (كلا) والله ما كل واجد بمحمود إلا إذا ورد على طريق الشرع المحدود بخسوا أنفسهم فى نطقهم بهذه الكلمة التى توضع فى بطاقة صغيرة يوم القيامة فى الميزان فترجح على سجلات كثيرة من السيئات كل سجل منها مد البصر كما فى الحديث. فيا ليت شعرى کيف توزن لهم بل يخشى من تقطيع أسماء الله تعالى وتحريف أذكاره أنهم يذكرونها وهى تلعنهم. ثم قال فهم يذكرون الله تعالى ويعبدونه بالسيئات فيصيرون من الذين ﴿وضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾[٢].  فيجب على كل ذاکر سواء كان (رفاعيًا أو أحمديًا أو بيوميًا أو حفناويًا أو شاذلیا أو.. أو..) أو غير ذلك من الطرق أن لا يخرج عن ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضحه أئمة المسلمين وإلا فلا يَلُومَنَّ إلا نفسه.

 ثم قال ويجوز الذكر بجميع أسماء الله تعالى المأخوذة من السنة النبوية ولو من غیر شیخ عارف لكن به أكمل وأرجی لقطع العلائق الشيطانية ولتجلى الأنوار الملكوتية وليس عندنا لله أسماء ثابتة عن غير رسول الله له وأتباعه الآخذين عنه إذ لا طريق إلى الله تعالى ومعرفة أسمائه إلا هو وغيره طريق الشيطان ».

 ويرحم الله الإمام الأخضرى حيث يقول فى منظومة التصوف

ومن شروط الذكر أن لا يسقط       بعض حروف الاسم أو يفرطا

 فى البعض من مناسك الشريعة     (عمدا) فتلك بدعة شـــــــــــــــــــنيعة

 فقد رأينــــــــــــــــــا فرقة إن ذكروا         تبدعوا وربمـــــــــا قد کفروا

 وصنعوا فى الذکر صنعًا منكرا     صعبًا فجـــــــــــاهدهم جهادًا أكبرا

 خلوا من اسم الله حرف الهاء      فألحدوا فى أعظم الأسمــــــــــاء

 لــــقد أتوا والله شيئًا إدّا         تخر منه الشـــــــــــــــامخات هدّا

 والألف المحذوف قبل الهاء        قد أسقطوه وهو ذو إخفاء

 وغرهم إسقاطه فى الخط             وكل من يتركه فمخطِى

 قد غيروا اسم الله جل وعلا      وزعموا نيل المراتب العلى

 تغرهم مذاقة طَبْعِية                   سببها الحركة النفسية

 فزعموا أن لهم أسرارا                وأن فى قلوبهم أنوارا

وزعموا أن لهم أحوالا                 وأنهم قد بلغوا الكمالا

والقوم لا يدرون ما الأحوال       فكونها لمثلهم محال

حاشا بساط القدس والكمال     أن تطؤه حوافر الجهال

وقال بعض السادة المتبعة       فى رجز يهجو به المبتدعة

ويذكرون الله بالتغيير            ويشطحون الشطح کالحمير

 وينبحون النبح كالكلاب        طريقهم ليست على الصواب

 

والله تعالى أعلم.



[١] المصدر كتاب تنبيه الفكر إلى حقيقة الذكر بحث علمىّ يكشف عن فضائل الذكر وحقيقته الشرعية للشيخ محمد أديب كلكل الطبعة السادسة ١٤٣١ هـ دار الفكر.

[٢] الكهف: ۱۰۶/۱۸